معلومات عامة

كيف ترثي صديقا عزيزا عليك

رثاء لصديق عزيز

عبدالله القديمي

تطاردنا الأيام حافية تدوسُ أجسادنا بلا شفقة أو رحمة، تنقض عرىٰ العمر عروة عروة، وتحلُّ عُقد الحياة عقدة عقدة، أما صديقي فلان فقد ظفرت به الأيام فأسلمته إلى أيدي المنون وولتْ ضاحكةً تبحث عن طريدة أخرىٰ، ولعلي أن أكون تلك الطريدة المنتظرة، إلا أنني لا أحسن التخفي ولا أستطيع الركض فقد خارت قواي، وذبلت عزيمتي، وتلاشت رغبتي في البقاء، فإن هذا الداء لا يرحم أحدًا وقد أفسد نصف جسدي وشلَّ نصفه الآخر، فتعال يا صديقي وابكني حيًا علَّ الموتَ يتوهمُ رحيلي فينصرف، ولا تظُنَّن يا صديقي أنني أخاف الموت، أنا فقط أخشىٰ فراقك وأخاف فقدك، فلن يطيب لي العيش دونك حتى وإن كنت في النعيم.

يردُّ الصديق: ليتَ الأعمار توهب يا صديقي، لوهبتك شطر عمري وآثرتُ الرحيل قبلك، ليتَ العافية تشترى لاشتريتها لك بكل ما أملك، ليتني أستطيعُ أن أدثرك بلحاف الشمس، أو أخبأُك في ثياب القمر، أو أنثرك بين النجوم على وجه السماء هناك بعيدًا جدًا حيثُ لا يطالك الأفول ولا تأمرُ فتهوي إثر شيطان رجيم، لقد كنتُ أضنُ بك يا صديقي عن كل شيء، وأقدمك على كل شيء، وأحوطك من كل شيء، واستبقيكَ لأيامي الخوالي، ولكن يد المنون كانت أطول من غايتي وأسرع من حلمي، وهذا ما لا حيلة لي في دفعه، أتت عليك السنون فغيرت فيك كل شيء إلا قلبك النقي الطاهر ظل ينبض بالحب والطهر حتى لحظته الأخيرة، وتمالأت عليك الأمراض فغيرت ملامح وجهك إلا مواضع الطهر فيه، أرىٰ الأيام تأكلك أكلًا وأقف عاجزًا عن فعل أي شيء، أطلقتُ حملةَ تبرعاتٍ من أجلك فقضيتَ قبل أن تصل، عملتُ بوصيتك فبكيتُك حيًا رحمة لك وشفقة على حالك وخوفًا على نفسي من بعدك إلا أن دموعي لم تشفع لك ولم تزد في عمرك شيئًا، ولكنني أعدك يا صديقي أن ألبس ثوب الحزن وأرتدي قميص الكآبة حتى ألقاك فلا معنى للحياة من بعدك، وكيف يطيبُ لي البقاء في عالم لستَ فيه، وعزائي أن الله أحبك فاختارك إلى جواره، وأنَّك ممن انتهت مهماتهم في هذه الحياة فكان قدرهم أن يرتقوا إلى مكان أعلى وغاية أسمى فالأرض لا تليق بأمثالكم أيها العظماء، عوفيتَ فشكرتَ وابتليتَ فصبرتَ، وأتاك اليقين وأنت صابرٌ محتسبٌ وأنا على عملك هذا عند الله لمن الشاهدين، وداعًا يا صديقي حتى نلتقي هناك في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر، إخوانًا متحابين على سرر متقابلين، وإن كان لي من عمل بعدك فهو قَسْمٌ بيني وبينك، لي العمل ولك الدعاء، رحمك الله ورحم من ترحم عليك، ورضي الله عنك وأرضاك، ولعل اللقاء يكون قريبًا بإذن الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى